أيت سدرات نغيل: قصة شعب استوطن وادي دادس بين الأسطورة والتاريخ

قبائل أيت سدرات نغيل وتاريخهم العريق بوادي دادس


 أيت سدرات نغيل: قصة شعب استوطن وادي دادس بين الأسطورة والتاريخ

مقدمة

في قلب الأطلس الكبير، وعلى ضفاف وادي دادس، تنبثق حكايات قبيلة أيت سدرات نغيل، التي لا تُروى قصتها بسهولة، لأنها تتشابك بين أساطير شعبية وأحداث تاريخية موثقة. هذه القبيلة، التي سكنت أعالي الوادي وسهوله، تركت بصمتها في التاريخ، وعكست جزءاً من تحولات المغرب السياسية والاجتماعية منذ قرون.

أيت سدرات نغيل: بداية الاستقرار أم استمرار وجود؟

تثير أصول أيت سدرات نغيل تساؤلات عميقة بين المؤرخين، إذ لا يتفق الباحثون حول ما إذا كانت هذه القبيلة هي أول من استقر في وادي دادس، أم أنها حلت محل جماعات أقدم منها.

الرواية الشفوية تسرد أن أيت سدرات سيطروا على مجرى أسيف ن دادس منذ أمد بعيد، لكن الدلائل تشير إلى وجود قبائل سابقة قد تكون منها أيت حديدو وأيت عطا، بل وبعض العناصر العربية مثل بني معقل الذين تحركوا من الشمال نحو الجنوب خلال فترات معينة.

صراعات وتحالفات: وجه آخر للوجود القبلي

ما يميز منطقة دادس عامة، وأيت سدرات نغيل خصوصاً، هو شبكة التحالفات والصراعات المعقدة. فقد شكلت اتحادات قبلية كبرى مثل أيت سدرات، أيت عطا، أيت امغران، وأيت امكون، بنية اجتماعية متشابكة، لم يتمكن أي طرف فيها من السيطرة المطلقة على الوادي.

تشير الدراسات إلى أن أيت سدرات حظوا بأوسع مجال جغرافي، امتد من أعالي دادس إلى مناطق وادي درعة، وهو ما يدل على قوتهم الاقتصادية والعسكرية آنذاك.

الانتقال بين أعالي دادس وسهوله

يعد انتقال أيت سدرات بين إغيل (الجبل) وأسيف (السهل) علامة فارقة في تاريخهم. لم يكن الأمر مجرد نزوح مكاني، بل كان تعبيراً عن محاولة القبيلة التكيف مع الظروف الطبيعية والسياسية لضمان بقائها.

وصف الرحالة الحسن الوزان في القرن 16م سكان جبال دادس بأنهم يعيشون في كهوف ويعتمدون على زراعة الشعير، في حين كانت الأراضي المنبسطة أكثر ثراء، وهو ما يفسر محاولات أيت سدرات توسيع نفوذهم نحو السهل.

أصول أيت سدرات بين زناتة والأدارسة

من أعقد القضايا المرتبطة بأيت سدرات نغيل مسألة أصلهم العرقي. يرى البعض أنهم زناتيون، ينحدرون من سلالة لوى الأصغر بن لوى الأكبر، قدموا من شمال إفريقيا إلى المغرب عبر طرابلس وبرقة. بينما يربطهم آخرون بالأدارسة، ويعتقدون أنهم من القبائل التي بايعت إدريس الأول في نهاية القرن الثامن الميلادي.

وهناك أيضاً من يذهب إلى القول إن أصلهم من جبل نفوسة بليبيا، نزحوا هرباً من بطش القبائل المعقلية، ليستقروا في البداية بفاس، قبل أن ينتقلوا إلى دادس بدعوة من شريف إدريسي يُدعى مولاي بوعمران.

روايات متناقضة… أم تكاملية؟

توجد أربع روايات أساسية عن أصول أيت سدرات وهجراتهم:

الرواية الأولى

ترى أن أيت سدرات عندما حلوا في دادس، كانوا مجموعتين: أيت زولي وأيت محلي. وقد أخرجوا أيت حديدو من الأراضي التي كانوا يستوطنونها، لكنهم أبقوا على بعض القبائل الأخرى كحاجز دفاعي ضد أيت عطا.

الرواية الثانية

تفيد بأن أيت سدرات جاؤوا من منطقة شرق فاس (بير طم طم)، عقب انهيار الدولة الإدريسية، بعد تعرضهم للبطش من بني العافية. وجاء انتقالهم نحو دادس استجابة لدعوة أحد أبناء الأدارسة.

الرواية الثالثة

تقول إن أيت سدرات كانوا قبيلة متمردة على أحد السلاطين، فأمر بنفيهم إلى منطقة دادس التي كانت حينها غابات موحشة، لكنهم تمكنوا من تدجين الأرض وتحويلها إلى مجال زراعي مزدهر.

الرواية الرابعة

تسرد أسطورة يهودية الطابع، أن أيت سدرات كانوا ضمن جيش النبي سليمان، ولما تمردوا عليه، أمر الجن برميهم في منطقة نائية، فكان وادي دادس منفاهم، وهناك حوّلوا الغابات إلى أراضٍ مزروعة.

تقسيمات لفوف أيت سدرات

من أهم ملامح المجتمع السدراتي انقسامه إلى لفوف، لكل منها قبائل تابعة:

  • لف أيت زولي: أيت يول، أيت يونس، أيت اسحاق، أيت زياد، بجة، أيت ابريرن، تكايين.
  • لف أيت محلي: سيدي بوبكر، تملالت، أيت أكليف، امزودار، أيت عربي، زاوية سيدي داود، أيت يدير، أيت أودينار، أيت بوهكو، أيت وفي.
  • لف أيت ملوان: أيت همو، أيت بن حمو، أيت حمو أسعيد، أيت سعيد أداود، أيت عمر إبراهيم.
  • لف أيت توخسين: تزيين، بومردول، تيلوت، أموكر، وزاوية بوسكور.

وهذا النظام القبلي يعبر عن تنظيم اجتماعي واقتصادي يحدد مجالات النفوذ ومسؤوليات الدفاع والتسيير.

معطيات جديدة حول أيت سدرات

  • بعض الوثائق الإسبانية في القرن 19 أشارت إلى تحركات قبائل أيت سدرات نحو درعة هرباً من الجفاف.
  • لازالت عائلات من أيت سدرات تحتفظ بوثائق بيع وشراء تعود إلى القرن 18 تؤكد امتلاكهم أراضي واسعة في دادس ودرعة.
  • حتى اليوم، تُقام مواسم دينية واجتماعية لأيت سدرات نغيل تحمل طابعاً إدريسياً قوياً، ما قد يدعم فرضية أصولهم الإدريسية.

الأسئلة الشائعة 

هل أيت سدرات نغيل هم السكان الأصليون لوادي دادس؟
الدلائل التاريخية ترجح أنهم قدموا من مناطق شمالية واستقروا تدريجياً في دادس، لكنهم اليوم يعدّون من أعرق سكانه.

هل ما زال نظام اللفوف قائماً اليوم؟
لم يعد بنفس الصرامة القديمة، لكنه لا يزال حاضراً كمرجعية اجتماعية وهوية قبَلية.

ما سر تمسك أيت سدرات نغيل بالمواسم الدينية؟
يرتبط ذلك بتاريخهم العريق وصلتهم بالأدارسة، إذ يرون في المواسم رابطاً روحياً يحفظ هوية القبيلة.

خاتمة

قصة أيت سدرات نغيل هي حكاية شعب استطاع أن يصوغ لنفسه مكانة بارزة في تاريخ وادي دادس، بين الأسطورة والحقيقة. لا تزال أسرار كثيرة عن هذه القبيلة تنتظر من ينقب عنها في عمق التاريخ والموروث الشفهي والوثائق. فربما تكشف لنا الأيام القادمة المزيد من خبايا هذه القبيلة التي بقيت شامخة كجبال دادس.

 


تعليقات